ازمة ربع العمر!

كثير من نسمع عن مايسمى بأزمة منتصف العمر او “Mid-life crises” وهي الفترة التي تصيب الاشخاص احياناً عند بلوغهم سن الشيخوخه (مابين 45 إلى 65 تقريباً) واحد ابرز مسببتها هو عدم تقبل ظهور علامات التقدم بالسن بالإضافة إلى الندم و اعادة التفكير بخيارات الشخص التي قام بها في الحياة.

لكن هذه الايام مفهوم جديد بدأ بالأنتشار، مفهوم خاص بأزمة أخرى تدعى بأزمة ربع العمر او “Quarter-life crises” وهي مرحلة من التشتت و الضياع تصيب عادتاً الاشخاص بسن 25 سنة في المتوسط.

هل انهيت دراستك الجامعية ولا تعلم إلى اين انت متجه بحياتك؟

هل لازلت اعزب و بدأت في آخر بضع سنوات توزع مباركات الزواج والمواليد الجدد على الاصدقاء من حولك؟

هل بدأت تتسائل عن فيما اذا كانت وظيفتك الحالية هي وظيفة العمر؟

هل بدأت بمقارنة نفسك مع اقرانك؟

في حال انك قد اجبت بنعم لبعض الاسئلة اعلاه، فمبروك!

انت تمر بأزمة ربع العمر!

ازمة ربع العمر هي ازمة تحدث عادتاً في مرحلة منتصف العشرينيات إلى بداية الثلاثينات كأقصى حد نظراً لكونها مرحلة حرجة في حياة الكثيرين في الغالب، إذ انها المرحلة التي من الواجب على الفرد فيها اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على حياته بأكملها فيها عادتاً، فنجد ان الشخص يختار الوظيفة، الزوجه، المستوى التعليمي وغيرهما.

هي مرحلة من الضياع والتساؤل عن الخطوة التاليه، و عن فيما اذا كان الفرد قد بدأ بتأسيس حياته بالشكل المطلوب.

هذه المرحلة تبدأ بطبيعة الحال بعد انتهاء الشخص من المرحلة الجامعية في الغالب، حيث لا نجدها عند اشخاص كطلاب الجامعات عادتاً، لأن كل اهتمامهم هو التخرج (الحياة الحقيقة لم تبدأ بعد). وبالتالي، لايجدون في الغالب ضغوط حقيقة من احد.

لكن المشكلة تحدث غالباً عند انتهاء مرحلة التعليم، حيث  يشعر الاشخاص عادتاً بالضياع فور تخرجهم وهذا عائد لسببين.

الاول هو اننا بطبيعتنا اصبحنا “Institutionalized” كما يقال، بمعنى اننا تعودنا ان نصعد السلم الاكاديمي خطوة بخطوة حيث كانت الرؤية واضحة لنا منذ نعومة اضفارنا، فمثلاً، يتوقع ابناء الصف الخامس انهم سيكونون بالصف الاول الثانوي بعد 5 سنوات.. مالم يرسبوا طبعاً!

والثاني هو الخوف من الحرية بخد ذاتها، تلك الحرية التي تزورنا للمره الاولى بعد سنوات طويلة من الدراسه. هذا الفراغ والحرية المطلقة في تحديد مصيرك قد يكون قرار مفصلي وشائك عند البعض احياناً مالم يكن هناك تصور ولو بسيط للمستقبل الضبابي الذي لم تعد الروية واضحة فيه كما في السابق.

حسناً، ربما السؤال الآن هو كيف نتجاوز هذه المرحلة؟

شخصياً، لا اعتقد انني الشخص المناسب لأعطاء الحلول في الوقت الراهن.

لكن هذه بعض الافكار التي اعتقد انها قد تخفف من وطأة الاكتئاب المرافق لهذه المرحلة.

اولاً: احذر ان تخدعك الايام!

وأنت في خِضم اندهاشك بالحياة، ستخدعك الأيام وتوحي لك بأن العمر طويل أمامك .. بتجاربه وقصصه وشخوصه. لكن الحقيقة بكل مرارتها تقول بأن وقتك محدود لتزور كل البلدان، تقرأ جميع الكتب، تخوض كافة التجارب، تحقق معظم الأحلام، وتحادث كل المدهشين

وقتك محدود وعمرك ثمين، فتأكد أنك تقوم بأكبر قدر ممكن من التجارب المثيرة، لا المريحة فحسب! وتقدم على الخطوات التي لا تملأ جدول يومك فقط، بل تثري فصول حياتك.

أياك ان تصل إلى يوم تقرأ فصول حكايتك فتجدها تحولت إلى قوائم من التجارب المؤجلة والأحلام التي كتب عليها “يوما ما” أو “حتى إشعار آخر!”.

تأكد ان مرارة الشك الذي يساورك بقدراتك اليوم هي حلاوة اليقين التي ستريحك غداً.

ثانياً: تذكر أنك انت بطل قصة حياتك!

تذكر دائماً أنك انت من يكتب نص هذه الرواية الخاص بك، وأنك انت البطل الرئيسي فيها. اياك ان تعطي ذلك القلم لشخص آخر ليقوم بكتابة النص بدلاً عنك، او ان تعطي بعض الشخصيات الثانوية دور البطولة! لاتكن عبداً لتوقعات غيرك عنك. كن سيد اختياراتك، عازف سيمفونيتك، صانع مصيرك، فلا أحد سيدرس، يتوظف، يرتبط، يعيش أو يموت بالنيابة عنك

ثالثاً: تذكر أنك تعيش في مجتمع جمعي

مجتمعنا هو كباقي المجتمعات الشرقية، يمجد العقل “الجمعي”. العقل الجمعي (أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً) ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً. ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً اجتماعياً، حيث تفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وهذا يدفعهم عادتاً للاعتقاد بأن الآخرين ومن سبقوهم يعرفون أكثر منهم حيال قضية ما.

ولذلك، فأن المجتمعات الشرقية تصف أي شخص متفرد او صاحب أفكار جديدة بأنه يقلد الغرب. وهذا بطبيعة الحال لأن الغرب عل النقيض يمجد السلوك الفردي على سلوك الجماعة. ولهذا نجد على سبيل المثال لا الحصر ان مصلح entrepreneur او رائد اعمال قدم من الغرب. وان اغلب رواد الاعمال هم من ذلك الجزء من العالم.

ما اود قوله هنا انه في بعض الأحيان نقوم بلا وعي بربط امر نجاحنا بهذه العقلية، عقلية المجتمع الجمعي. تذكر دائماً ان الحياة والأشخاص لا يخيبون ظنك، لكنهم يخيبون ظن توقعاتك التي ساهم المجتمع في تشكيلها عن النجاح والارتباط والثراء، فصار انحرافك عن هذه البرمجة وما خلفته من توقعات رديف للفشل والحزن والشعور بالوحدة والعزلة!

رابعاً: تقبل مراحل التغيير في حياتك

في الغد، ستكتشف أنك وبلا مقدمات فقدت شغفك باهتمامات وأشياء كانت في يوم ما مقرونة بك أكثر من اي شخص آخر. نصيحتي هي ان لا تدفع وتمنع هذا التغيير كثيراً. بل العكس تماما، السعيد هو من يتقبل ويفرح بهذا التغيير.  تذكر أنه لو كانت عقليتك في الثلاثين هي كما عهدتها في العشرين فهذا يعني أنك أضعت عشرة سنوات من عمرك بلا فائدة!

نعم .. تأكد ان الانتقال من مرحلة الى مرحلة يتطلب شجاعة في مواجهة النفس لمجاراة وتقبل التغيير. الذين لا يفعلون ذلك يجدون أنفسهم وحيدين تائهين في وسط زحام الحياة وصخبها. كل ذلك ببساطة يحصل بسبب انهم علقوا بين مرحلتين، فلا هم بقوا في مرحلتهم السابقة، ولا هم قرروا الدخول قي مرحلتهم الجديدة وتقبلها! ولذلك احذر ان تخطئ في فهم مراحل التغيير في حياتك وتأكد ان لكل مرحلة طبيعتها وجمالياتها الخاصة بها.

30 نوفمبر 2017/ الرياض

الإعلان

نُشر بواسطة عبدالملك

محاضر، حاصل على درجة الماجستير في علوم الحاسب من جامعة George Washington

لا توجد آراء بشأن "ازمة ربع العمر!"

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: